ينطلق (جلجامش) في رحلته الطويلة للبحث عن سِرّ الحياة وحقيقة الموت وأمل الخلود، فيصل إلى الجبال التي تحرس ذُراها المتقابلة الفوّهة التي تنزل منها الشمس إلى باطن الأرض، يجتاز ممرّ الشمس السفلي في طريقه إلى الطرف الآخر من العالم، ويجد ذاته على شاطئ بحر الموت الذي يفصله عن جزيرة الحكيم الخالد (أوتنابشتيم)، يلتقي في هذا المكان بملّاح الحكيم يحتطب من أجل سيده العارف بسرّ الخلود، هذا الملّاح هو الوحيد الذي بوسعه إعانة (جلجامش) على عبور بحر الموت. ونتيجة لاضطراب الأخير وهيجانه ينكسر الرقم الحجرية التي تعين على اجتياز البحر المميت. ومياة الموت راكدة والهواء فوقها ساكن، حيث لا ريح تدفع ولا مجداف ينفع. لأن مياه البحر حين تصل إلى يد المجدّف ستقتله لا محالة.
يقترح الملّاح فكرة جيّدة للعبور؛ إذ يأمر (جلجامش) أن يحتطب مئة وعشرين شجرة يصنع منها ستين مجدافًا، وحين يلج قاربهما بحر الموت يجدّف جلجامش بمجداف من المجاديف الستين، يدفع القارب مرة واحدة ويُفلت المجداف بعد الدفع إلى الماء لئلا تمسّ يده ما علق عليه من ماء قاتل، ويستخدم مجدافًا آخر، وهكذا إلى أن يصلا.
ألا تقول ملحمة البحث عن الخلود هُنا أن بوسع البشر عبور البحار الراكدة المميتة، والتشبث بآمال الوصول عن طريق تغيير المجاديف كلما اقترب الخطر.
نعم، لا يُعبر النهر مرتين، لكن المجاديف المتكسرة لا تُغرقنا والمجاديف المبتلّة بالركود المميت لا تقتلنا ما دام بوسعنا احتطاب الأمل، وإفلات كل أمل مميت، والتجديف بآخر…