لي ثأر أزليّ مع الأرقام، من رحمها الملعون أنجبت المال، فأنجبَ لنا سلالة من الفقر والثراء والتفاوت الطبقيّ والجشع والاستغلال.
لي ثأر أزليّ مع الأرقام، أتذكّر ثأري كلما مرّ شريط إخباري محمّل بالضحايا، تغيب عنه وجوههم وحكاياتهم وأمانيهم ورجاءات أهليهم وفواجعهم ومشاعرهم، يغيبُ عنه أنين المصابين ودعواتهم وقلق محبيهم، ويختصرهم في رقم جامد لا يُفصح عن شيء. تصوّروا لو لم نعرف الأرقام؟ سيكون الشريط الإخباري طويل طويييل، بامتداد الفظاعات.
لي ثأر أزليّ مع الأرقام، أموتُ كمدًا حين أفكّر في عدوانها على أسماء السجناء، وتغييبها خارج الأسوار، فصلها عنهم، واحتلال مكانها. فيصير السجين مجرد رقم، رقم من الأرقام، ويالطول ثأري مع الأرقام.
لي ثأر أزليّ مع الأرقام، أتعذّب لأنّي لن أدرك ثأري منها فقد تحالفت مع المدنية والحياة المعاصرة في حرب ضدّ وجودنا الفيزيائي، فلم يعد بوسعنا إثبات هذا الوجود إلا من خلال رقم إقامة، رقم وظيفيّ، رقم ضمان اجتماعيّ، رقم جامعيّ، رقم حساب بنكيّ، رقم حفيظة نفوس، ههه الرقم يحفظ النفوس، الرقم مقدّم على النفوس.
لي ثأر أزليّ مع الأرقام، إذ تهزمني يوميًا، فأضطر دائمًا إلى التوسّل بها كي لا تتعطّل حياتي، حياتنا المسيّرة بالأرقام، وحين أضطر إلى إعلام طالباتي بأرقامهنّ التسلسلية وفقًا لكشف الحضور والغياب لتسهيل التعاملات، أستصعب الأمر، أستصعبه وأعتذر لهنّ دائمًا دائمًا، أعتذر فأنتنّ أكثر من مجرد رقم، أنتنّ وجوه وكيانات وأسماء، لكنّي صغيرة ومهزومة أمام الأرقام.
لي ثأر أزليّ مع الأرقام، لولاها لما عرفنا كم فاتنا من وقت، وكم تبقّى لنا، كم من السنين تصرّمت، وكم من المفقودين ودّعنا.
لي ثأر أزليّ مع الأرقام، فلو لم نعرف الأرقام لما عرفنا طريقة لإحصاء الخسارات.