الشهر: ديسمبر 2019
أيام

أنتزعُ نفسي من السرير إلى مواجهة اليوم، أخرج كي أضيع من نفسي في زحام الناس واتّساع وحدتي بينهم، أنسى الثقل الرابض على قلبي لساعات، وللحظات ألمحه في واجهات الأبواب التي تعكس وجهي وفي وجوه ندل المقاهي الذين يعرفون وجهي المكرر كالسأم ويبادلوني ابتسامات حقيقية وحيّة وأسئلة ساخرة عن غيابي أمس أو تأخري اليوم أو طلبي المكرر أو سبب تغيير الطلب اليوم، أضحك، ربما لا أضحك بشكل حقيقي طوال يومي إلا في هذه الثواني التي أردّ فيها على مزاحهم المتوقع كحضوري الباهت، وما أن ألمح كتفي أحدهم موليًّا ظهره لي في مواجهة عمله المكتظ ويومه الموحش إلا من الركض والمكابدة، حتى تستقبلني الوحشة بيديها الجافّة. فيعتادني شعور ملحّ بأنّي في المكان الخطأ، وعليّ أن أعود إلى السرير الذي كابدت لأنتزع نفسي منه كي أفتّش عن يومي في اتساع الأمكنة وزحام الناس واتّساع وحدتي. وأعود، أعود دائما محمّلة بالخواء وأصوات عالقة في رأسي من صخب الأمكنة التي مررت بها، أعود وقد أضعت يومي في التفتيش عنه، أفتّش عن نوم يُنسيني هذه الخسارة كي أعوّض غدًا، وأعثر على يومي.
وفي الغد -الذي هو اليوم- أفشل في انتزع ذاتي من ذاتي، أقرّر تأجيل مهمّة العثور على اليوم، أستجيب للصداع الذي يبدو كما لو أنّه استجابة فيزيائية داخل رأسي لأفكار الأمس التي ظلّت تهزّ قدمها بقلق واضطراب في رأسي لساعات وساعات. لا أخرج لأفتّش عن يومي، أتوهّم أنه سيدخل من الباب خلال لحظةٍ ما، أو سيطرق النافذة التي تعلو رأسي مباشرة. لكنّ الشمس تدخل، تتلصص على ظلام غرفتي، تشتدّ في ساعات، تمتدّ بعناد في هيئة خطوط كقضبان وهمية تذكرني أنّي سجينة ذاتي، والأيام تمر خلف الباب، تركض في الشوارع التي تطلّ عليها نافذتي، الأيام هناك في الخارج وأنتِ سجينة غرفتك… لكنّي أمس كنتُ في الخارج ولم أعثر عليها؟
فهل أدوّن هذه الخسارة أيضا؟ أم أشطب كل شيء إذعانًا لهذا الكساد الكبير؟