خذلان

الثور الأحمر، أو ربما الأسود، أو الأخضر حتى. لا يهم، المهم أنّه الثور الذي عاش إلى النهاية، وقال حين افترسته الوحشية (أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض) الألوان ليست مهمة، أكان المأكول الأول أبيض أم أحمر أم أسود، أم أخضر حتى… ما كان في الألوان تمييز جوهري قد يغيّر المصير، كلهم ثيران، والتباين اللوني مجرد خدعة، ليظنّ كل ثور أنه استثناء، وأن الأنياب التي تفترس أخيه لن تفترسه، لأنه مغاير… ولا وجود لثور مغاير، الفريسة هي الفريسة، اللحم واحد، والتمايز اللوني حيلة احتالت بها الطبيعة على الثيران لا على صيادهم. لا منجاة في اللون، فكلكم ثور، كلكم فريسة، في أي أرض ترعون سيمتد إلى كل منكم المخلب الذي نهش أخاه من قبل، والناب الذي انغرز في لحم شبيهه، سيكون آخر ما تسمع مع صيحة الندم الزئير الذي أسكت تأوهات أخيك الأخيرة… وليس لحكاية المفترس والطريدة حلقة أخيرة، إنها دائرة، والدائرة لا تفصح عن بدايتها ومنتهاها، الدائرة أنشوطة شنق، حلقة حبل سيضيق حول الأعناق، فم مفتوح لمصيدة مسنّنة، فوّهة حفرة تلتقط الأقدام. الدائرة مفرد دوائر، وعلى الباغي تدور الدوائر، وأنت أيها الثور الأحمر، أو ربما الأسود، أو الأخضر حتى. لا يهم، المهم أنّك الثور الذي عاش إلى النهاية، وقال حين افترسته الوحشية (أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض) أنت لا تحتاج إلى هذه الدوائر التي تدور على الباغي، تكفيك دائرة واحدة، الدائرة التي تمرّغ فيها أخوك الثور الأبيض فيما كان ينزلق على تربة العراك، وظننت أنت أنها ضيقة لا تتعدّى الردغة التي أثارها سقوطه. تلك الدائرة اتّسعت لتتعقب خطاك، تلتف حول لا مبالاتك ثم تصطادك، لتسقط متمرّغًا في تربة العراك، لكن عراكك ما كان ضد المفترس وحده، بل ضده وضد نفسك، ولن يراك أحد حين تسقط في الردغة التي يثيرها سقوطك الأخير، فقد سقطت من قبل، سقطت أخلاقيًا قبل أن يهوي جسدك أخيرًا فريسة لبطش المفترس وأنت تصيح: (أُكلت يوم أُكِل الثور الأبيض)